قال في تدوينة طويلة :
أسجل في هذا المقال، ونحن على بعد 119 يوماً من انطلاقة ثورة جديدة لعودة "مصر حرة" بإذن الله، موقفا مقترحا حول أحد القضايا التي يكثر حولها الحديث والخلاف بين القوى الوطنية المقاومة للانقلاب، وهو الموقف من عودة الدكتور محمد مرسي للحكم.
هناك طرف مقاوم يرى أن عودة الدكتور مرسي هي الدليل الأهم والأصح والوحيد أن إرادة الناخب المصري قد تم استعادتها، وأن شرعية الثورة مستمدة من العودة إلى ما قبل 30 يونيو.
وأضاف : هناك فريق آخر مقاوم أيضا ووطني وضد الانقلاب أيضا يرى أن الكثير من المقاومين اليوم للانقلاب كانت لهم مواقف معارضة للدكتور مرسي خلال حكمه، بل بعضهم طالبه علنا بترك الحكم، فلا يصح في نظر هذا الفريق أن يتم جعل عودة الدكتور مرسي شرطا لاستعادة مصر للمسار الديمقراطي بعد انتهاء الانقلاب أو إسقاطه، بل يرى هذا الفريق أن أحد معوقات إسقاط الانقلاب هو هذه النقطة تحديدا التي قد تمنع اجتماع الأحرار صفا واحدا لإسقاط الانقلاب.
وأردف: لكل طرف ولكل فريق حججه وبراهينه أن موقفه هو الأصح، وهناك إصرار - عملي وليس نظري - بين الطرفين على عدم التحرك للأمام قبل حسم هذه النقطة. فالكل ينادي بسقوط الانقلاب، ولكن في الأروقة الداخلية لمقاومة الانقلاب، تعد هذه النقطة واحدة من أهم نقاط الاختلاف داخل الصف المقاوم، رغم أن الجميع تقريبا يحرص على عدم الحديث علنا في تلك المسألة، أو تأجيل الحديث حولها حرصا على عدم إثارة المزيد من الخلاف.
ولست طرفا في هذا النقاش، وكل فريق أقدر على التعبير عن قناعاته وعن وجهة نظره في هذه المسألة، ولكن لي فيها على المستوى الشخصي والعملي رأي ثالث أقدمه في هذا المقال. وتابع : رأيي في عودة الدكتور مرسي يتلخص في 3 محاور أو خطوات لا تنفصل واحدة منهم عن الباقين، فمن أراد فهم موقفي وما أدعو له، فيجب عليه إما أخذ المحاور الثلاثة معا، أو تركهم معا، فرأيي مجتمع في النقاط الثلاث وليس في واحدة منها فقط. وهذه المحاور معا قد تشكل المخرج الصحيح من الاختلاف حول هذا الأمر، وقد يجد كل طرف فيها ما يقبله ويعبر عن رأيه.
ومحاور الموقف من عودة د. مرسي تتلخص في الجوانب الثلاث التالية:
المحور الأول: رئيس جمهورية مصر العربية مسؤول يعمل في الحكومة المصرية، وله الحقوق الإدارية والوظيفية الكاملة لكل موظف مصري بصرف النظر عن جودة أدائه من عدمها، فالأداء يقاس عبر طرق ووسائل مختلفة عن الحقوق الإدارية والوظيفية.
هذا المسؤول الذي يشغل منصب رئيس الجمهورية قد تم إقصائه وفصله من عمله ممن لا يملك هذا الحق، وكان فصلا تعسفيا لا تقره أية قوانين معمول بها في مصر أو العالم. وبالتالي فإن استعادة المسؤول المفصول فصلا تعسفا لوظيفته فور زوال الظلم الواقع عليه هو الخيار الوحيد لاستعادة العدل، وإعادة الحق لهذا المسؤول الذي تعرض لظلم فادح أثناء قيامه بتأدية مهام وظيفته، مع تفهم اختلاف الرأي حول درجة جودة أدائه لتلك المهام.
وعلى ذلك فأنا أدعو إلى أن يستعيد هذا المسؤول الهام لوظيفته أولا قبل التحرك للنقطة الثانية. وهذا من أصل العدل ولا يجب أن نبدأ مرحلة جديدة من تاريخ مصر إلا على العدل، وليس سواه.
المحور الثاني: أن شرعية أي رئيس لأي دولة مستمدة ابتداء من اختيار الجماهير له عبر الإرادة الحرة لهذه الجماهير، وذلك عبر الطريق الذي ارتضته الجماهير لهذا التعبير، وهو صندوق الانتخابات، ولذا فإن أصل الشرعية ليس صندوق الانتخاب، وإنما أصل الشرعية في هذه الحالة هو رأي الجماهير، أو موقف الشعب من الرئيس. ولا يوجد شكل عملي لقياس هذا الرأي في الدولة المعاصرة إلا صندوق الانتخاب الحر، ولكنه يبقى وسيلة للقياس وليس مصدرا للشرعية في حقيقة الأمر.
مصدر الشرعية هو رأي الجماهير وإجماعها، وأحيانان يتم التعبير عنه بوسائل أخرى ليست دقيقة ولكنها مهمة ومؤثرة كالإعلام والمظاهرات والرأي العام وغيره. وحيث أن الفترة التي سبقت الانقلاب البغيض كانت فترة كثر فيها اللغط والحديث حول كفاءة الإدارة المصرية والحكم في ذلك الوقت، وقدرته على الاحتفاظ بثقة الجماهير والشعب.
من ناحية كان هناك غضب حقيقي ومتفاقم ومتزايد لدى فئات كثيرة من المجتمع المصري. ومن ناحية أخرى ساهم إعلام مجرم وتخطيط قذر لقادة الانقلاب في تأجيج تلك المشاعر.
لذلك من المهم إدراك وجود مشكلة حقيقية نشأت قبل الانقلاب حول قناعة الشارع بالدكتور محمد مرسي رئيسا لمصر.
نعم من حق الدكتور محمد مرسي بالتأكيد أن يستكمل مدة حكمه، وألا ينقلب عليه أحد بقوة السلاح لأن هذا إجرام واعتداء، ولكن من حق الشعب المصري أيضا أن يعبر عن مشاعره بحرية كاملة أيضا، وأن يستجيب لها الحاكم ويتأكد بنفسه أنها مشاعر قد تؤثر على قدرته على الحكم أم لا. المقصد في النهاية أن الشرعية في النهاية في يد الجماهير، وأن هناك هزة تعرضت لها تلك الشرعية بشكل حقيقي قبل الانقلاب.
وهناك لغط نشأ تعمدا أو بشكل صحيح حول تلك الشرعية، لذا وجب تأكيدها أو نفيها، وهو ما يحدث في كل دول العالم عندما تتعرض الشرعية والثقة بها للاهتزاز أن تحدث الدعوة إلى انتخابات مبكرة لإعادة تأكيد الشرعية أو تغييرها عبر الصندوق حتى تعود مسيرة الوطن إلى الانطلاق. لذلك فالمحور الثاني في الحل من موضوع عودة الدكتور مرسي هو أن تكون تلك العودة رمزية لحين إتاحة الفرصة للشعب المصري لتأكيد قناعاته من جديد حول من يحكم مصر في الفترة القادمة.
أي أن الدكتور محمد مرسي لا يعود لوظيفته ليحكم، ولكن يعود لوظيفته بشكل رمزي فقط إلى أن يتم الاحتكام للجماهير صاحبة الشرعية الوحيدة والحقيقية في الشارع المصري عبر انتخابات رئاسية فورية مباشرة.
المحور الثالث: أنه لا توجد أية شروط مسبقة أو أخرى أو ضمنية أو غير ذلك في مسار الثورة القادم حول موضوع عودة الدكتور مرسي – فرج الله عنه، سوى أن تكون عودة رمزية للوظيفة لاستعادة الحق الإداري والقانوني، يعقبها بقاء الرئيس في وظيفته بشكل رمزي فقط، مع كامل حقه أن يعيد تقديم نفسه رئيسا لشعب مصر مع غيره ممن يريدون تقديم أنفسهم للشعب المصري بعد استعادة الثورة لمسارها، وأن يستعيد الشعب المصري أيضا زمام الشرعية له عبر الصندوق الانتخابي النزيه والحر مرة أخرى ليختار من يريد على رأس الثورة في مسيرتها نحو التغيير.
المحور الثالث يؤكد عدم وجود أية اشتراطات مسبقة على شعب مصر، وهو ما يريح الجميع أن الثورة يمكنها أن تستعيد مسارها دون مشكلات المراحل الماضية ودون ظلم أحد أيضا.
وأنهى كلامه قائلاً: مجمل رأيي في موضوع عودة الدكتور مرسي – فرج الله عنه يتلخص إذن في:
1. استعادة المسؤول الذي فصل فصلا تعسفيا لمكانته ومكانه العملي، وهو هنا د. محمد مرسي رئيس جمهورية مصر العربية.
2. يتفهم هذا المسؤول بإرادته وتقديره لطبيعة المرحلة أن هذه العودة ستكون عودة رمزية دون ممارسة مهام الوظيفة، إلى أن يتم اتاحة الفرصة للشعب المصري كذلك ليستعيد ما سلب منه أيضا باستعادته شرعيته وحقه في تحديد من يحكمه في الغد.
3. أن يتم ما سبق دون شروط مسبقة من أي طرف على طرف.
أثق أن هذا الحل قد يكون الحل الأمثل لكي تجتمع القوى الوطنية وتتوحد من أجل كسر الانقلاب يوم 25 يناير 2015م بإذن الله أو قبله أو بعده، ولكل أجل كتاب.