ظل الموقف الأميركي ملتبساً إزاء الوضع في مصر طيلة الأشهر التي أعقبت انقلاب الجيش المصري على الرئيس المنتخب محمد مرسي، فهي لم تسمه انقلاباً ولكنها في الوقت نفسه لم تؤيد صراحة ما قام به الجيش.
لكن تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري الأسبوع الماضي تكاد تكون الأكثر وضوحاً بشأن موقف بلاده، حينما اتهم جماعة الإخوان المسلمين بـ"بسرقة الثورة في مصر" وذلك في أعنف انتقاد له لهذه الجماعة التي وصل مرشحها إلى الرئاسة قبل عزله من قبل الجيش في الثالث من يوليو/ تموز الماضي.
وقال كيري، في كلمة له بالمجلس الاستشاري للأمن الخارجي بوزارة الخارجية، إن "شباب ميدان التحرير لم يتحركوا بدافع من أي دين أو أيديولوجية.. كانوا يريدون أن يدرسوا وأن يعملوا وأن يكون لهم مستقبل، لا حكومة فاسدة تمنع عنهم كل ذلك". وتابع أن هؤلاء الشباب تواصلوا عبر تويتر وفيسبوك وهذا ما أنتج الثورة، إلا أن هذه الثورة "سُرقت" من قبل جماعة كانت الأكثر تنظيما في البلاد، في إشارة إلى الإخوان المسلمين.
فما هي دلالات توقيت الانعطاف الأميركي حيال مصر؟ وهل شعرت واشنطن أنها تخسر القاهرة لمصلحة موسكو مثلاً، وما هو دور إسرائيل في الموقف الأميركي المستجد؟
الغزلأقر الباحث في شؤون الشرق الأوسط بمركز السياسة الوطنية غريغوري أفتنديلين بأن جزءاً من تصريحات كيري مردها الغزل الذي يجري حالياً بين القاهرة وموسكو. إلا أنه أشار إلى أن الجزء الآخر من تصريحات كيري موجهة إلى البعض داخل إدارة أوباما نفسها خصوصاً أولئك الذين يرغبون في اتخاذ المزيد من الإجراءات العقابية ضد مصر كمستشارة الأمن القومي سوزان رايس.
وأوضح أفتنديلين -وهو أيضا زميل مشارك في مركز الشرق الأوسط بجامعة ماساشوستس لويل- أن كيري يريد أن يشدد على أنه المسؤول عن السياسة الأميركية تجاه مصر، وأنه يثمن العلاقات الثنائية.
واستبعد التحول المصري نحو روسيا، قائلاً إن غزل القاهرة بموسكو هو أكثر دلالة على الانزعاج المصري من تعليق بعض المساعدات الأميركية، ولكنه ليس تحولاً واضحاً تجاه روسيا.
واستبعد التحول المصري نحو روسيا، قائلاً إن غزل القاهرة بموسكو هو أكثر دلالة على الانزعاج المصري من تعليق بعض المساعدات الأميركية، ولكنه ليس تحولاً واضحاً تجاه روسيا.
وأشار إلى أن القاهرة تريد فقط أن تظهر بأن لديها خيارات سياسية خارجية، بينما الواقع أن الجيش المصري يعتمد على واشنطن وليس موسكو لأكثر من ثلاثة عقود.
وبشأن تأثير إسرائيل على سياسة أميركا تجاه الوضع في مصر، استبعد أفتنديلين أن يكون لدى إسرائيل قدر كبير من التأثير على سياسة الولايات المتحدة بشأن مصر. وأضاف "صحيح أن المسؤولين الأميركيين مسرورون من أن الحكومة المصرية الحالية تعمل بشكل جيد مع إسرائيل بشأن الوضع الأمني في سيناء، ولكن الحسابات الإستراتيجية الأميركية تجاه مصر تستند إلى تقييمات واشنطن نفسها".
الانتهازيةبالمقابل ترى أستاذة القانون بجامعة ويسليان تكساس، سحر عزيز، أن تعليقات كيري الجديدة تأتي استمراراً لما أسمتها سياسة أوباما الانتهازية حينما يتعلق الأمر بمصر.
وأرجعت سحر عزيز -التي ترأس المنظمة المصرية الأميركية لسيادة القانون- هذه السياسة إلى اهتمام أوباما بالاستقرار في مصر حتى لو جاء ذلك على حساب الديمقراطية.
وقالت إن الولايات المتحدة معنية أكثر من غيرها بأربعة أهداف جيوسياسية في مصر هي حماية حدود إسرائيل، والحفاظ على وصول أميركا إلى قناة السويس، والحصول على تعاون مصر في مكافحة الإرهاب العالمي، والحفاظ على ولاء الجيش المصري لجهود قتالية مشتركة في الشرق الأوسط.
وأكدت أنه من يستطيع تأمين هذه الأهداف فإن الولايات المتحدة الأميركية ستدعمه بغض النظر عن تأثير ذلك على الديمقراطية، ودعم أميركا المزعوم للحرية في الخارج.
واستطردت قائلة إن تصريحات كيري تأتي في سياق إعادة ترتيب واشنطن لنفسها مرة أخرى لتقف إلى جانب الفائز في النزاع السياسي الحالي، وذلك بعدما أيقنت أن الإخوان المسلمين باتوا لا يحظون بشعبية وطردوا من الساحة السياسية.
المصالح أولاوشددت سحر عزيز على أن واشنطن ستقف إلى جانب المنتصر حتى لو كان ذلك يعني دعم جنرال للرئاسة في مصر لأن مصالحها فوق الخطاب الرنان عن الديمقراطية.
أما عن دور إسرائيل في التأثير على الموقف الأميركي، فترى سحر عزيز إنه يستند إلى مصلحتها الوطنية والمتمثل أولاً وقبل كل شيء في تأمين حدودها مع سيناء، وأن تحافظ على مصر كحليف في منطقة معادية لها.
وأكدت أن أقرب حليف لإسرائيل داخل الحكومة المصرية هو الجيش المصري، وبالتالي فمن المرجح أن تبدي إسرائيل تأييداً قوياً لوجو
د حكم عسكري في مصر واحتواء أي حركات ديمقراطية يمكن أن تهدد وضع ما قبل 25 يناير.