أهم الأخبار : :

التحقييق في جريمة قتل عمرها 30 ألف سنة!

Unknown الثلاثاء، 3 فبراير 2015 | 1:59 ص




- من كان يتصور للحظة واحدة أن هذه الصخرة الملقاة في صمت. في إهمال إلي جانب المعسكر تخفي في قلبها أقدم هيكل عظمي كامل لإنسان مصري قتل قبل ثلاثين الف سنة.
لم يكن وليم شكسبير هذا المشهد المأساوي لكي يكون لواحدة من مسرحياته التي لا يحيا الستار علي آخر مشهد فيها وحده! 
ولكن شكسبير نفسه لم قد خرج إلي الحياة بعد. كان علي يوم أمسلكه بالأفلام والأوراق 30 ألف سنة لا تقل يوما أو تزيد! 
الغابة المتشابكة الأغصان لا تسمح ألا بدوائر صغيرة من ضوء الشمس. تنفذ خلالها. يقتحم المشهد شاب في نحو الخامسة والعشرين من عمره غارقا في السمرة غارقا في الخوف. لا تكاد تسعفه قدماه جريا وعدوا. يده اليمني تمسك برمح كبير. هو كما ولدته أمه وربما كانت هناك ورقة شجرة كبيرة تستر عورته لا أحد يعرف. علامات الرعب سهام تنطلق يمنة ويسرة من عينيه كالبرق ينسحب الشاب من المشهد كما ظهر. لحظات وتقتحم المشهد من خلفه مجموعة من الرجال كأنهم قردة كبار كل واحد ممسك في يده اليمني رمحا كبيرا مسننا. أنهم يعدون في أثر الشاب لسبب لا يعلمه إلا أبطال المشهد أنفسهم. هو أسرع منهم عدوا. ولكن السهام وحدها أدركته. ليستقر اثنان منها في ظهره ليسقط الشاب صريعا وسط صيحات الببغاوات والديكة البرية وغربان ما قبل التاريخ! 
--إنتهت أقدم جريمة قتل لإنسان مصري! 
إنتهي المشهد الدموي الذي لم يشاهده أحد. لم تسجله عدسة مصور. 
ولكنه ظل خافيا عن كل العيون. محفوظا في قلب الصخور باقيا في سجل الزمن 30 ألف سنة لا تنقص يوما حتي ظهر بالأمس القريب. ليقدم بطل المشهد نفسه للدنيا بأسرها ! 
هو بالقطع "بطل المشهد الدامي" الذي حفظته الصخور 30 ألف عام بطولها ليس مثل أهل الكهف الذين أنامهم الله ثلاثمائة عام ثم أيقظهم مع كلبهم. 
ولكنه مات وشبع موتا وتحول في النهاية إلي إنسان متحجر مثل الطيور والحيوانات المتحجرة التي عثرنا عليها في قلب الصخور القديمة قدم الزمن نفسه. محفوظة في سجل ما قبل التاريخ المكتوب. 
محدثي هو الدكتور محمد البهي عيسوي الخبير الجيولوجي المصري واحد العلماء الثلاثة الذين أخرجوا للدنيا هذا الكشف العلمي المثير. 
نحن الآن داخل وادي "الكوبانية" في كوم أمبو شمال أسوان بـ 30 كيلو مترا! 
خيام المعسكر مغمورة في شمس يناير فيض من دفء الشتاء يتسلل برفق إلي أجسادنا وإلي بحر الرمال من حولنا. 
هذا الرجل الطويل الشعر القصير البنطلون الغربي الملامح الجالس علي البعد ينقب في الصخور أنه بروفسور روماند شيلد من أكاديمية العلوم البولندية. 
قلت: أنا أعرفه جيدا ولكن أين بروفسور ويندورف أستاذ علم إنسان ما قبل التاريخ في جامعة دالاس الأمريكية؟ 
قال محدثي: أنه داخل الخيمة الكبيرة عند سفح التل. 
وأتطلع إلي الخيمة البيضاء التي تشبه أوزة برية حطت لتوها فوق الرمال الدافئة. وينفتح باب الخيمة وبطل منه بروفسور ويندرف. يقترب منا العالم الأمريكي الذي وافقته من قبل أكثر من 3 مرات في جولاته الكشفية في النوبة القديمة قبل أن تفرق. وهو يحمل في يديه حجرا يكاد بنوء بحمله وسارعنا لمساعدته. ونحن نتساءل: ماذا تحمل؟ قال وهو ينظر إلي الحجر بعين خبير: أنا أشك في أن هذا الحجر يحمل سرا من أسرار الإنسان المصري القديم. قلنا: كيف وهذا الحجر نفسه ملقي إلي جدار المعسكر منذ 3 سنوات؟ قال: لقد لمحت طرفا من قطعة عظام أدمية متحجرة تطل من جانبه الأيسر! . 
واجتمع أفراد المعسكر كلهم حول الحجر وراحوا يقيسون أبعاده وأتضح أنه حوالي 54 - 60 - 80 سم.
في الليل تكشف كل شئ. وخرج الحجر عن صمته لأول مرة ليكشف عن الخبر اليقين. صحيح أننا ليلتها لم نكن نعرف بالتحديد ماذا يضم الحجر داخله ألا أننا كنا علي ثقة بأنه يخفي عظاما أدمية لإنسان ما قبل التاريخ المكتوب. وعلمنا ليلتها داخل خيمة المعمل الصغير في قلب الصحراء الموحشة المظلمة أن هذا الحجر لا يزيد عمره علي 30 ألف سنة بحال من الأحوال! 
كان الخوف كل الخوف أن يتفتت الحجر قطعة بعد قطعة ويتفتت معه بقايا الإنسان المتحجر داخله. 
من هنا جاء قرار العلماء الثلاثة. فريد ويندورف وروماند شيلد والبهي عيسوي بنقله إلي القاهرة. ومنها إلي الولايات المتحدة الأمريكية لكشف كل ألغازه المثيرة بأحدث وسائل العلم الحديث. 
وسهر المعسكر كله ليلتها يشرب نخب هذا الكشف العلمي الذي لم يخطر علي بال إنسان! 
وندخل في آلة الزمن لتعود بنا إلي الوراء 30 ألف سنة. لكي تحقق في أقدم جريمة قتل لشاب مصري 
المكان: نفس المكان 
اختفي المعسكر من المشهد كله. بحر الرمال لا وجود له. غابات ومساحات خضراء تغطيها نباتات المسافات العالية. اللون الأخضر يملأ المكان كله. والأمطار لا تنقطع. المستنقعات والبرك تتناثر هنا وهناك كان هناك نهر أخر يجري من الشرق إلي الغرب ويصب في وادي الكوبانية الذي نقف فيه الآن. وقلت أين نهر النيل؟ 
هو غير بعيد عن هنا إلي الشرق قليلا عمره الآن 30 ألف سنة. في منتصف عمره الذي نعرفه هذا الذي يجري هناك وسط الأعشاب العالية أنه أبن أوي. وعلي شاطئ البحيرة علي مدي البصر يقف طابور من الجاموس الوحشي يرتوي من الماء العذب. أحذر الحشرات التي لا تعرف منها ألا البعوض والجراد. وأحذر أيضا قافلة الفيلة العملاقة القادمة من قلب الغابة القريبة. لا تخف من الضباع لأنها لا تأكل إلا الحيوانات الميتة وتلك هي مهمتها مع النسور الجارحة. تنظيف المكان كله من العفن. النمر لم يظهر بعد في الصورة فقط هنا القطط المتوحشة التي لا تكف عن مطاردة الغزلان والأيائل. 
هذا الذي يقفز من حولك لا خوف منه علي الإطلاق. أنه نوع من "الجرابيات" وهو حيوان صغير يضع وليده في جراب في بطنه مثل الكانجارو الذي مازال يعيش في قارة استراليا لا تقترب كثيرا من الماء إذا أردت صيدا من الأسماك فلا بأس. الأسماك هنا كثيرة ولذيذة. ولكن أحذر التماسيح الغدارة والثعابين الضخمة التي تقفز من الماء دون إنذار.
ولكن أين الإنسان هنا. لا أكاد أجد أثرا واحدا له؟ 
كيف نعرف أسرار جريمة قتل دون أن نقابل الناس ونسألهم؟ 
الإنسان هنا موجود ولكنك لا تراه. فهو مثل الحيوانات هنا إما قاتلا أو مقتولا لا فرق. مادام فتيا قويا فهو حي يرزق. لا مكان هنا للعجز أو الهرم الكل سواسية في الموت صغارا وشبابا إما قتلا أو جوعا. والإنسان هنا صياد بطبعه وحسب شريعة الغاب هنا. أن تكون صيادا أو تصبح فريسة. لك أن تختار.
نفس الشئ بالنسبة لبطل المشهد الدرامي الذي فقد حياته فيه قتلا بالرماح. صحيح أننا لا نعرف اسم البطل أو اسم قاتليه وتأخذك الحيرة وأنت تحقق وقائع هذه الجريمة التي وقعت قبل 30
ألف سنة. فالقتل هنا حق وعدل. القوي وحده يعيش. أما الضعيف فليذهب من حيث أتي! 
الإنسان هنا يصنع الرماح أدائه في الصيد والقتل من الأحجار ويعيش في كهوف مظلمة وأن كان قد عرف النار. لكنه كان يخافها ويتصور أنها شر قادم من الغيب. وتلتهم الغابات وتحرق الأحياء! 
تعالوا نسأل واحدا. من هؤلاء القوم الذين يحملون فوق ظهورهم غزالا بريا صادوه لتوهم. ولكن كيف؟ أنهم لا يعرفون الكلام ليست لهم لغة للحديث أو الكتابة. مجرد همهمات أو صرخات أو صيحات لا أكثر ولا أقل. لا تقترب منهم لأنهم لو شاهدوك. ربما قتلوك علي الفور والتهموا لحمك وعظامك ألا تتعب نفسك. فإن هذه الجريمة ليست جريمة القتل الوحيدة هنا ولن تكون الأخيرة فالقتل هنا كما قلت لك حق وعدل! 
وأغلقنا ملف أقدم جريمة قتل وركبنا ألة الزمن في طريق عودتنا إلي الحاضر الذي نعيشه! 
و إلي القاهرة حملوا في حرص شديد قطعة الصخر التي تضم الهيكل العظمي. ثم أرسلوا قطعة الصخر إلي معهد "سيمتونيا" وهو متحف التاريخ الطبيعي في واشنطن لإعادة تركيب أقدم هيكل عظمي لإنسان مصري عمره 30 ألف سنة علي الأقل. 
و في واشنطن خلال رحلتي الأخيرة ذهبت إلي متحف التاريخ الطبيعي. كان برفقتي د محمد البهي عيسوي وهناك شاهدنا كيف يمكن أن يعيد العلم بناء الهيكل العظمي قطعة قطعة حتي أصبح كما كان تماما! 
ودار بيننا حوار طويل بين العلماء الذين عكفوا علي الشاب المصري الذي قتل قبل 30 ألف سنة يعيدون بناء هيكله العظمي وتركيب جمجمته الكاملة المتحجرة خلال عملية بالغة الصعوبة استغرقت منهم نحو عام كامل!
وأسأل بروفسور ويل ستيوارت أكبر خبراء العالم في إعادة تركيب الهياكل العظمية ومدير متحف التاريخ الطبيعي كم عمر هذا الشاب علي وجه الدقة؟ 
قال. تقصد يوم قتل أم عمره التاريخي من يوم رحيله عن الدنيا حتي الآن؟ 
قلت. الاثنين معا 
قال. هو من دراسة أسنانه وحجم عظام ساقيه وذراعيه. فيما بين العشرين والخامسة والعشرين من عمره يوم قتل أما عمره كإنسان متحجر فلا أقل من 30 ألف سنة. 
وأسأل ولكن لماذا لم نعثر حتي الآن داخل حدود مصر إلا علي هذا الهيكل العظمي الكامل لإنسان مصري متحجر في قلب الصخور؟ 
ويأتيني الجواب هذه المرة عن يساري من الدكتور البهي عيسوي لأننا لا نملك في مصر المناخ الطبيعي لحفظ مثل هذه الآثار. لابد أن يكون هناك مكان لا يوجد فيه بكتريا. حرارة شديدة تسحب السوائل من الجسم وتقتل البكتيريا فوراً لأن أي جسم إنساني أو حيواني يأخذ قروناً طويلة لكي يصبح جسماً متحجراً؟
بالطبع لو توافرت الظروف المناخية المطلوبة ولو توافر الوقت لنري نتيجة هذا العمل؟ 
وما هو الوقت المطلوب؟ 
فقط 10 آلاف سنة!
وأسأل مدير متحف التاريخ الطبيعي في واشنطن ماذا يشبه هذا الإنسان الذي عاش في وادي الكوبانية شمال أسوان قبل 30ألف سنة؟ 
قال: قد لا تتصور أنه من دراسة أطوال عظام الذراعين وقصر عظام الحوض وشكل الذقن وتفلطح وسقوط عظام الأنف، صورة تشريحية تشبه علي حد كبير زنوج الولايات المتحدة الأمريكية! وهم من اصول افريقية!
ولكن ملامح الوجه في صفاتها التشريحية - بروفسور ويل ستيوارت يتكلم يماثل عموماً ملامح وجوه سكان استراليا الأصليين!
وأضع دهشتي في سؤال كيف يمكن أن يشبه هذا الإنسان المصري زنوج أمريكا وسكان استراليا الأصليين في وقت واحد؟ 
ويلحقني الدكتور البهي عيسوي بالجواب أن هذا الإنسان يشبه إلي حد كبير ما عثر عليه من هياكل عظمية غير كاملة في النوبة السودانية وخاصة منطقة الصحابة ومع ذلك فإنه تأكيد عن وجود صلة بين الإنسان المصري القديم وزنوج وسط أفريقيا وهم أصل زنوج أمريكا. 
اكتملت فصول هذا الاسبوع بمفاجأة مذهلة لم تكن في الحسبان؟
الدكتور البهي عيسوي من واشنطن يحمل معه التقرير العلمي النهائي بالصور والرسوم وكل الحقائق من حول أول هيكل عظمي حامل لإنسان مصري عاش علي أرض مصر قبل 30 ألف سنة. 
قال العلماء: إن هذا الإنسان كان رامياً للرمح بيده اليمني والتي تظهر عظامها كبيرة وقوية بعض الشئ عن الذراع اليسري. ومن هنا فقد كان صائداً للحيوانات والطيور والأسماك. 
- وقالوا: أنه مات بعد أن جري مسافة طويلة جداً وأن قاتليه كانوا يتعقبونه لسبب ما عدوا من خلفه حتي لحقوا به في النهاية وأجهزوا عليه!
ولكن كيف قتل هذا الشاب تعيس الحظ؟ 
يقول التقرير العلمي التشريحي بالحرف الواحد. 
لقد تم العثور علي قطعتين صغيرتين من أحجار الكالسيروني الصلبة وهي أحجار ذات رؤوس مدببة بجوار الفقرتين الثانية والثالثة من عموده الفقري. مما يقطع بأن هذا الإنسان قد تعرض للقذف بالرمح الحجري ليصب في العمود الفقري في مقتل مما أصابه بالشلل فالموت. 
ويغلق العلاء المحققون ملف أقدم جريمة قتل علي تراب مصر. ونحن نعرف الضحية ولكننا لا نعرف القتلة. 
الضحية شاب مصري عمره 25 سنة لقي مصرعه ضرباً بالرماح في ظهره!
ولكنه قدم للتاريخ المصري واحدة من سلسلة حلقاته العلمية المفقودة. 
ولكن من يحاكم الذين قتلوه؟ 
لقد سقطت القضية كلها "بتقادم المدة"!
فكيف نحاكم قاتلاً بعد جريمته بـ 30 ألف سنة؟. 
همس د. البهي عيسوي في أذني ضاحكا: علي فكرة العلماء قالوا لي ان الذين ضربوا الشاب بالسهام هم من افراد قبيلة ابنتهم التي اختطفها منهم. وعندما حاولت الهرب قتلها!
قلت: حتي من 30 الف سنة، كانت المرأة وراء كل جريمة.