سبق وأن تحدثنا أن قطر وتركيا من الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة الأميركية؛ قطر بها القواعد الأميركية وتركيا بها ثاني أكبر جيش في حلف النيتو.
وعندما قلنا هذه الحقائق - وهي حقائق وليست استنتاجات - في وقت الدعم القطري التركي لأنصار الشرعية في مصر كان الكلام لا يعجب بعض مؤيدي الشرعية الذين يربطون الدعم القطري والتركي بسلوك أشخاص وليس بمصالح دول! وعندما نكرر هذه الحقائق الآن الآن يتم اتهامنا بأننا نهاجم قطر وتركيا لأن الأولى غيرت سياستها تجاه الانقلاب في مصر والثانية تتجه لنفس الاتجاه!
قطر كانت على المحك بعد الانقلاب بأن تخسر جمهورها الذي اجتذبته طيلة السنوات الماضية إذا اعترفت بالانقلاب، وأدركت بذكاء أن الجزيرة هي درة ما تملكه! وأنها إذا خالفت مبادئها ستخسر جمهرها، فلم يكن من مصلحتها أن تحرق نفسها!
أما تركيا فقد عانت طويلا من الانقلابات العسكرية لذا فقد كان مفهوما حساسيتها تجاه الانقلابات العسكرية، ولا يمكننا أن ننكر دور أردوغان الشخصي الرافض للمجازر في التأثير على السياسة التركية ضد الانقلاب العسكري في مصر، ولكن بدرجة ثانية، ومع الأخذ في الاعتبار وجود معارضة داخلية من القوميين وحتى داخل حزبه!
من جهة أخرى فإن كلا من قطر وتركيا لعبا دورا مهما أميركيا في مرحلة ما بعد الانقلاب. فقطر عملت كمتنفس إعلامي لرافضي الانقلاب، وتركيا لعبت كمتنفس سياسي لهم، وكونت هاتان الدولتان وسادة امتصاص رد الفعل الشعبي الساخط، بحيث لا تخرج احتجاجات قواعد الشرعية عن الإطار الموضوع لها، والتي يستطيع الجيش قمعها، وينفجروا في وجه النظام بتبنيهم نهجا أكثر عنفا بشكل لا يمكن السيطرة عليه. وقد قلنا في وقت اعتصام رابعة أن أكثر ما يخيف الأمريكان احتجاجات شبيهة باحتجاجات الإيرانيين أمام السفارة الأميركية في 1979! وقد علمنا لاحقا أن السفارة الأميركية أخلت طاقمها مباشرة بعد الانقلاب من مبنى السفارة!
***
وعلى كل حال من المهم النظر إلى توقيت تغيير الريح القطرية والتركية، فهذه القرارات تأتي مع رفض أنصار الشرعية - جمهورا وقواعد وقيادات- المصالحة مع العلمانيين الذين أيدوا الانقلاب بالتخلي عن الشرعية وعودة الدكتور مرسي، ومع تسرب أنباء عن رفض الإخوان عرضا قطريا بدعم أميركي بعودة الإخوان دون عودة الشرعية مقابل أن تتصدر 6 إبريل أي حراك في الشارع! وفي ضوء ذلك يمكننا أن نفهم الضغط الممارس من واشنطن - عبر حلفائها - على الإخوان لإثنائهم عن موقفهم الراسخ قبل 25 يناير القادم!
والضغط على الإخوان قبل 25 يناير ليس الهدف منه القبول بالسيسي أو الانقلاب، فالجميع يدرك أنه لا أحد يملك أن يفعل ذلك! إنما الهدف من هذه الضغوط أو ما يمكننا تسميته - الابتزازات- تنازل الإخوان عن مطلب عودة الشرعية والنزول على أجندة العلمانيين في 25 يناير القادم! العلمانيون الذين صاروا خارج السلطة بعد خروجهم من الحكومة، وأيقنوا أنهم قد صاروا خارج المعارضة كذلك مع قانون الانتخابات الحالي الذي خصص 80% من المقاعد للنظام الفردي، ومع خروج مبارك ورجاله وحرسه القديم محترفي الانتخابات وأصحاب المتال والسطوة والنفوذ!
***
ما يميز جماعة الإخوان أنها جماعة عقائدية، تحركها الأيديولوجيا! ولولا هذه الأيديولوجيا لما قبل أنصارهم وقواعدهم الاعتصام في رابعة العدوية رغم التهديدات المستمرة بإراقة الدماء، ذلك لأن قضيتهم ملكت عليهم أنفسهم، وفطنوا بحكمة أن القبول بالانقلاب سيؤدي إلى إضفاء شرعية عليه والإجهاز على الثورة! وقبلوا راضين أن يكون دمهم وقودا لاستمرار الثورة.
نقطة الاختلاف بين أنصار الإخوان وغيرهم ممن لا يحملون هذه الأيديولوجيا أن غيرهم يرى أن الخروج بأي شيء أفضل من لا شيء! أمات الإخوان فإنهم ولا فخر يثبتون على المبادء ولا يضرهم من خذلهم كما جاء في الحديث الشريف.
إن العقيدة عند الإخوان ليست فقط توحيد الاسماء والصفات، وإنما يعلمون أبناءهم أول ما يعلمونه في باب العقيدة: عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي : يا غلام إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف .
إذا تخلوا عنك فاعلم أنك قريب من النصر إن شاء الله وأنك قد استفرغت الأسباب، ولا تنسى أبدا قول الله عز وجل: "حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين" يوسف: 110
إذا غيرت الجزيرة سياستها فهي الخاسرة، فبيد أنصار الشرعية ريموت يمكنهم أن يقلبوا به من هذه القناة على غيرها، أما الجزيرة فستفقد جمهورا غاليا لن تستطيع تعويضه إذا خسرت مصداقيتها!