أعلن الاحتلال الإسرائيلي، مساء الخميس، عن بدء هجوم بري على قطاع غزة، مستفيداً من تواطؤ النظام العربي، الذي تجلى، أساساً، في المبادرة المصرية التي هدفت إلى التغطية على العدوان منذ مراحله الأولى، عبر المساواة بين الضحية والجلاد.
والعجيب في الأمر أن هذا الإعلان جاء بعد زيارة وفد صهيوني إلى الأراضي المصرية يضم كلا من “يورام كوهين”، رئيس جهاز الأمن العام، وعاموس جلعاد، رئيس الهيئة السياسية والأمنية بوزارة الدفاع الإسرائيلية، والمحامى يتسحاق مولخو.
وليست هذه المرة الأولى التي تعلن فيها إسرائيل الحرب على غزة بعد مغادرة وفد صهيوني الأراضي المصرية وهو ما حدث في عهد مبارك سابقًا بعد زيارة “ليفني” للأراضي المصرية عام 2008 وهو ما يؤكد تواطؤ الجانب المصري على غزة.
الغريب أن جريدة المصري اليوم المؤيدة للإنقلاب عنونت لخبر نشر عبر موقعها أمس الخميس:”وفد إسرائيلي يغادر القاهرة بعد بحث وقف إطلاق النار في غزة” ! رابط الخبر: هنــــا
ووفقًا لما جاء في صحيفة هآرتس الإسرائيلية فإن الحكومة الصهيونية اتخذت قرار التوغل البري بغزة بعد عودة مبعوثيها من القاهرة حيث تناول مبعوثيها الإفطار مساء الأربعاء مع فريد التهامي مدير المخابرات المصرية، والذي تسميه بعض وسائل الاعلام الأجنبية بأستاذ السيسي وصاحب المواقف السياسية المتشددة.
المسؤول الحكومي الكبير الذي تحدث لهارتس أكد ان الوفد الاسرائيلي عاد بانطباع أن الموقف الإسرائيلي يتوافق مع الموقف المصري وموقف محمود عباس من المبادرة المصرية، في حين ان حماس تبالغ في مطالبها. رابط الخبر من هآرتس: هنــــا
ولذلك لم يكن مفاجئاً أن يتزامن تصعيد العدوان مع تصريحات لوزير الخارجية المصري، سامح شكري، اعتبر فيها أنه لو قبلت “حماس” بالهدنة “لأنقذت عشرات الارواح”، وذلك بعد انتهاء اجتماع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بالرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الذي قال فيه إن الوصول لتهدئة في قطاع غزة لا يزال يتطلب مزيداً من المرونة من الطرفين اﻹسرائيلي والفلسطيني، وإن مصر أخذت على عاتقها بذل كل الجهود للتوصل إلى التهدئة لوقف نزيف الدم.
وأفاد بيان رسمي صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأنه أمر الجيش، اليوم الخميس، ببدء الهجوم البري في غزة “لضرب أنفاق الإرهاب الممتدة من غزة إلى إسرائيل”.
وقال البيان إن “رئيس الحكومة ووزير الأمن، موشيه يعلون، أوعزا للجيش الإسرائيلي بإطلاق العملية البرية بهدف ضرب أنفاق الإرهاب التي تخترق الأراضي الإسرائيلية من قطاع غزة، بعدما تسلل عدد من مقاتلي حماس إلى داخل إسرائيل، من نفق مشابه لهذه الأنفاق صباح اليوم”. وأوضح البيان أن “رئيس الحكومة ووزير الأمن أصدرا تعليمات للجيش بأن يكون جاهزاً لتوسيع العملية البرية”.
وأضاف البيان أن “قرار بدء العملية البرية جرت المصادقة عليه في جلسة الكابينيت الإسرائيلي، بعدما كانت إسرائيل وافقت على الاقتراح المصري بوقف إطلاق النار بينما رفضته حماس وواصلت إطلاق الصواريخ باتجاه المدن الإسرائيلية”.
كما أورد بيان عسكري إسرائيلي أنه “بعد عشرة أيام من الهجمات الجوية والبحرية والبرية لحماس والرفض المتكرر لتهدئة الوضع، بدأ الجيش عملية برية في قطاع غزة”، فيما أعلن عضو الكابينيت الإسرائيلي، الوزير نفتالي بينيت، للقناة الثانية الإسرائيلية أن كل الخيارات أمام الجيش مفتوحة، ولا توجد أي قيود عليها.
وفي أول رد على القرار الإسرائيلي، وصفت حركة “حماس” الهجوم البري الإسرائيلي بأنه “خطوة غير محسوبة العواقب”. وأكدت أن “الاحتلال سيدفع ثمنها غالياً”، مشددةً على أن المقاومة جاهزة للمواجهة.
وأكد المتحدث باسم حركة “حماس”، فوزي برهوم، أن إعلان جيش الاحتلال بدء الهجوم البري على غزة، خطوة خطير وغير محسوبة العواقب، سيدفع ثمنها الاحتلال غالياً، مؤكداً أن حركته وقوى المقاومة في غزة جاهزة للمواجهة.
وبينّ برهوم أن العدوان البري يأتي لترميم صورة الحكومة الإسرائيلية ورفع معنويات جنودها وقياداتها العسكرية المنهارة، جراء ضربات المقاومة النوعية والمتواصلة.
من جهته، قال متحدث محلي باسم سرايا القدس، الذراع العسكرية لحركة “الجهاد” لـ”العربي الجديد”، إن قوى المقاومة تنتظر الدخول البري للاحتلال، لتلقين “العدو” دروساً لا ينساها، مؤكداً أن العدوان البري “فرصة لاصطياد جنود الاحتلال ومبادلتهم بأسرى فلسطينيين في السجون الإسرائيلية”. وكانت المقاومة الفلسطينية واصلت الخميس ردها على العدوان الإسرائيلي، إذ قصفت “كتائب القسام”، و”سرايا القدس” مناطق مختلفة في الأراضي المحتلة.
ومهّد الاحتلال للعدوان البري بقصف غير مسبوق من البر والبحر والجو، بالتزامن مع طلب قيادة الجبهة الداخلية الاسرائيلية من سكان المستوطنات المحيطة بغزة الدخول إلى الملاجئ الآمنة، فيما ارتفع عدد الشهداء إلى 243، بعدما استشهد الطفل الرضيع فارس جمعة المهموم (5 أشهر) وأصيب ثمانية، في قصف إسرائيلي استهدف مدينة رفح جنوبي القطاع.
وكان الطيران الحربي الإسرائيلي قد كثّف، اليوم الخميس، خلال الساعات التي تلت انتهاء “الهدنة” الإنسانية، غاراته على قطاع غزة، في مسعى منه للضغط على حركات المقاومة الفلسطينية للموافقة على تهدئة لا تلبي شروطها.
وفي محاولة للتنصل من المسؤولية عن التغطية على العدوان، قالت مصادر حكومية مصرية لـ”العربي الجديد” إن قيادات التفاوض المصريين أبلغوا نظرائهم اﻹسرائيليين استياء مصر البالغ من عملية اقتحام غزة براً.
وأضافت المصادر أن إسرائيل سبقت وأبلغت مصر عدم نيتها اﻻجتياح البري، وأنه بناء على ذلك كان الرئيسان المصري والفلسطيني يبحثان إمكان تطوير آليات تنفيذ المبادرة المصرية.
وكشفت المصادر أن الطرف اﻹسرائيلي أبلغ المصريين بعد دقائق من اﻹعلان رسمياً عن العملية البرية مساء اليوم بأنها “ستكون عملية محدودة تستهدف اﻷنفاق الحدودية فقط”.
وقبيل بدء العدوان، قالت الرئاسة المصرية، في بيان، إن السيسي وعباس “ناقشا باستفاضة الأحداث الجارية في قطاع غزة. واتفقا على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار حقناً لدماء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وصوناً للأرواح والمقدرات، وذلك استناداً إلى المبادرة المصرية، وعلى أساس ما تضمنته من إجراءات وما تناولته بشأن تفاهمات عام 2012″.
وأضاف بيان الرئاسة أن عباس والسيسي “اتفقا على ضرورة بذل كل جهد ممكن لتخفيف المعاناة عن أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وذلك من خلال العمل على فتح المعابر الإسرائيلية، وضمان حرية حركة الأفراد والبضائع، وعدم استهداف المدنيين، لاسيما في المناطق الحدودية، إضافة إلى بحث باقي القضايا فور تثبيت وقف إطلاق النار، وذلك في محادثات تجري في القاهرة مع كل طرف على حدة للعمل على تحقيق التهدئة”.
كما طرح عباس، الذي ستوجه الجمعة إلى تركيا لاستكمال المشاوارت، مبادرته بشأن وجوب العمل على توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، تمهيداً لتحقيق السلام القائم على أساس دولتين على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967. وأكد السيسي دعمه لهذه المبادرة اتساقاً مع ما تم الاتفاق عليه على مستوى جامعة الدول العربية، وفق البيان.
وجاءت دعوة السيسي إلى “المرونة”، بعد نفي حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، ما تداولته وسائل الإعلام الأجنبية والإسرائيلية حول التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار، بين فصائل المقاومة الفلسطينية والاحتلال، خلال المفاوضات الجارية في القاهرة.
وكانت وكالة “فرانس برس” نقلت عن المسؤول في حركة “حماس”، سامي أبو زهري، قوله إنّ “لا اتفاق على وقف إطلاق النار، لكن الجهود مستمرة”.