أهم الأخبار : :

سلمية.. سلمية.. سلمية “رسالة من الإخوان المسلمين”

Unknown الأربعاء، 4 ديسمبر 2013 | 8:33 ص

986الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،
وبعد؛ فلا يجادل أحد من العقلاء والمنصفين في أن ما قام به الانقلابيون بالتعاون مع قادة الشرطة والخارجين على القانون من البلطجية من مجازر بشعة تجاه إخوانهم المصريين الرافضين للانقلاب والمتمسكين بالشرعية والمصرِّين على سلمية التعبير عن رفضهم؛ هو أمر فاق كل التصورات والتوقعات، فلم يعرف التاريخ المصري القديم أو الحديث استغلالا لقوة الجيش المصري في مواجهة أبناء شعبه بهذه القسوة والغلظة والفظاظة على الإطلاق، حتى حصد من الشهداء السلميين منهم في بضع ساعات ما لم يقتله من الأعداء الصهاينة في عدة حروب، ليخلفوا في كل شارع من قرى وأحياء مصر شهيدا أو مصابا أو معتقلا أو مطاردا، فضلا عن إطلاق يد البلطجية في الاعتداء على المنازل والمحلات والممتلكات، بل على المواطنين الذين يتصورون أنهم يرفضون هذا الانقلاب الدموي الفاشي.
كل هذه الممارسات الفجَّة التي لا يعرف المصريون لها سابقة في تاريخهم ألقت بظلال كثيفة على العلاقات الإنسانية بين أبناء الشعب المصري، والأخطر من ذلك أنها يُخشى أن تؤثر على طريقة تفكير بعض الشباب الذين فاجأتهم هذه الروح الوحشية الانتقامية التي لم يتصوروا أنها يمكن أن تكون من مصري ضد مصري مهما بلغ الاختلاف في الرأي أو المذهب، خصوصا بعد ثورة عظيمة استرد فيها الشعب حريته، واختار فيها لأول مرة في تاريخه بإرادته الحرة حاكمَه الذي يريد، فقام الانقلابيون باغتصاب إرادته وإلغاء اختياره وتقييد حريته.
ثورتنا سلمية:
لهذا كان من الضروري أن نذكِّر الثائرين الأحرار المتصدِّين لهذا الانقلاب الغاشم بالأصل الأصيل والركن الركين الذي تقوم عليه حركتنا الشعبية المباركة في استعادة الثورة ومناهضة الانقلاب، وهو السلمية، فثورتنا سلمية، وستبقى سلمية، وسلميتنا سر قوتنا، وسلميتنا أقوى من رصاص الغدر الانقلابي، ومهما حاول الانقلابيون جرَّنا إلى دائرة العنف فلن ننجر أبدا بإذن الله، وسيظل شعارنا قول الله تعالى : (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ) (المائدة: 28-29).
واختيارنا للسلمية ليس تكتيكا ولا مناورة، بل اختيار أساسي مبني على فقه شرعي، ووعي واقعي، وقراءة صحيحة للتاريخ ولتجارب الأمم والشعوب.
فمن الناحية الشرعية:
فالدماء في المجتمع المسلم لها حرمة عظيمة جدا لا يجوز الاعتداء عليها بأي حال أيا كان دين الشخص، وليس للأفراد ولا للجماعات أو الهيئات في الدولة والمجتمع المسلم أن تنصب نفسها قضاة يحكمون على هذا أو ذاك بالقتل، وحتى لو عُرف شخص بذاته أنه قتل المعتصمين فلا يصح لأحد من الناس قتله، بل يجب رفعه للقضاء، فإذا أثبت القضاء إدانته وقضى بإعدامه بعد تحقيق سليم قامت الجهات التنفيذية في الدولة بالتنفيذ، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ دماءَكم وأموالَكم حرامٌ عليكم كحرمةِ يومِكم هذا في بلدِكم هذا في شهرِكم هذا، وستَلْقَوْن ربَّكم فيسألكم عن أعمالكم، فلا ترجعوا بعدي كفاراً أو ضُلَّالاً يضرب يعضكم رقاب بعض، ألَا لِيُبَلِّغ الشاهدُ الغائب» (أخرجه الشيخان)، وقال صلى الله عليه وسلم: «قتلُ المؤمن أعظمُ عند الله من زوال الدنيا» (أخرجه النسائي).
كما أن الوقوع في هذه الجريمة المنكرة سيفضي لا محالة إلى الوقوع في فتنة عظيمة، تُغْرِق الناسَ في دائرة القتل المتبادل بغير حق، وكل ما أدَّى إلى فسادٍ ومحرَّمٍ فهو محرَّمٌ، وهو ما حذَّر منه النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُنَا أَنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ الْهَرْجَ. قِيلَ: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَال: «الْكَذِبُ وَالْقَتْلُ». قَالُوا: أَكْثَرَ مِمَّا نَقْتُلُ الْآنَ؟ قَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمْ الْكُفَّارَ، وَلَكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ، وَيَقْتُلَ أَخَاهُ، وَيَقْتُلَ عَمَّهُ، وَيَقْتُلَ ابْنَ عَمِّهِ». قَالُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ! وَمَعَنَا عُقُولُنَا؟ قالَ: «لَا، إِلَّا أَنَّهُ يَنْزِعُ عُقُولَ أَهْلِ ذَاكَ الزَّمَانِ، حَتَّى يَحْسَبَ أَحَدُكُمْ أَنَّهُ عَلَى شَيْءٍ وَلَيْسَ عَلَى شَيْءٍ» (أخرجه أحمد بسند صحيح)، وقال صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ»… الحديث.
فكن أيها الأخ الثائر الحر الكريم والأخت الثائرة الحرة الكريم كخير ابني آدم، وكنْ عبدَ الله المقتول ولا تكن عبدَ الله القاتل، واحذروا كلَّ الحذر من الوقوع في فخ العنف الذي يخطط الانقلابيون لجرِّ البلاد إليه، ولن يفلحوا إن شاء الله.
وأما من الناحية الواقعية:
فإن أي نظام لا يمكن أن يمارس سلطته في الحكم بشكل حقيقي إلا بأحد أمرين: إما بالرضا والتوافق من الشعب ومن ثَمَّ الإذعان لهذه السلطة، وهذا ما تسعى كلُّ الأمم الحرة لفعله عبر الانتخابات الحرة النزيهة التي يختار الشعب من خلالها حكامَه طواعيةً بطريقة ديمقراطية، وهذا ما لا يتوفر لنظام الانقلاب العسكري.
وإما عن طريق الضغط والإكراه والقمع بالقوة المسلحة والبطش الأمني لإخضاع الشعب، وهو ما يمارسه الانقلابيون بشكل غاشم ووحشي، ولكنه طريق لا أخلاقي يفتقد للشرعية ويعيش مرتعشا مهتزا، ولذلك يسعى بكل حيلة لتجميل صورته ومحاولة إقناع جنوده وشعبه في الداخل، وإقناع الدول والشعوب الأخرى في الخارج بأنه حاصل على الرضا الشعبي. ولكي تدرك هذا لاحظ الجهد الهائل والوفود التي لا تنتهي من الدبلوماسيين الانقلابيين لإقناع العالم أن ما جرى كان ثورةً شعبيةً وليس انقلاباً عسكريا، ولاحظ الحفاوةَ البالغةَ حين يصرح دبلوماسي إفريقي أو أجنبي أنَّ ما جرى ليس انقلابا؛ لتدرك الرغبةَ المحمومةَ لدى رعاة الانقلاب في تجميل صورتهم القبيحة.
وفي سبيل تبرير بطشهم ووحشيتهم فإنهم يسعون إلى تصوير المعارضين لهم بأنهم إرهابيون يحاولون استخدام العنف في التعبير عن رفضهم، فهل من العقل والحكمة أن نوفِّر لهم تبريرا لإرهابهم وعنفهم غير الأخلاقي؟
من المسلَّم به أن السلطات الدكتاتورية هي من يحتكر أدوات العنف الفاعلة، فهي لديها قوات الأمن والجيش، وهي قوات مسلحة جاهزة ومدربة، وهي سلطات فاقدة لأي قيمة أخلاقية أو إنسانية، ولذلك في ظل حصول أي عملية مسلحة ضدها أو ضد أحد في المجتمع تصبح مسوغات تلك النظم الديكتاتورية في استخدام عتادها العسكري المنفلت من أي ضابط دستوري أو قانوني أو حتى أخلاقي جاهزة، وآلتها الإعلامية الجبارة ستملأ الدنيا صياحا لتبرير القمع الوحشي الذي تمارسه، فالعنف واستخدام القوة الباطشة لإكراه الشعب على الخضوع هو ملعب هذه الأنظمة، وعندما تقرر حركة ثورية ممارسة أي عمل مسلح لمواجهة عنف وقتل وتوحش الدكتاتورية فهذا يعني الذهاب إلى ملعب الخصم، وبالتالي خسارة المعركة أمام الدكتاتورية المتوحشة بكل تأكيد.
قد يقول قائل: إن هذه السلطة الدكتاتورية تفعل ذلك أصلا مع الحركة السلمية، وتختلق وقائع العنف وتمارس تزييف الوعي من خلال الإعلام. وهذا صحيح، ولكن العالم كله يدرك هذا البهتان، ولا يمكنه الاستمرار في تأييدهم، ومع الجهد الضخم جدا الذي يبذله الانقلابيون لتسويق انقلابهم فإن أكثر دول العالم لا تستجيب لهذه المحاولات الفاشلة، لما يرونه من سلمية الثورة المصرية في مواجهة العنف الانقلابي.
كما لا يجد الانقلابيون أي مبرر أخلاقي مقبول لجنودهم الذين يحاول الانقلابيون في جهاز الشئون المعنوية بالجيش إيهامهم وإقناعهم بعداوة مصطنعة لبني شعبهم، كما أن السلمية تؤثر على بعض ذوي الضمائر الحية من داخل معسكر الانقلاب نفسه الذين يكتشفون كل يوم كذب قيادة الانقلاب وسلمية الشعب الثائر، مما يضعف عزمهم على مواجهة الجماهير السلمية، ويحولهم بالتدريج إلى الانحياز لهذه الجماهير.
ولا يعني هذا رغبة في حصول انشقاق في القوات المسلحة فهذا أمر خطير لا نرضاه ولا نتمناه لجيشنا أبدا، فإن من واجبنا أن نحافظ على قواتنا المسلحة من الدخول في حرب أهلية تُستَنْزَف فيها في حروب شوارع لا رابح فيها، فتنكشف أمام أعدائنا الذين ينتظرون بفارغ الصبر لحظة الضعف والوهن للانقضاض على الوطن، وتكون تلك أكبر خسارة للأمة وأعظم هدية للأعداء، بل علينا أن نبذل قصارى جهدنا للحيلولة بين قادة الانقلاب وبين ما يريدون توريط الجيش والشعب فيه من فتن من أجل تحقيق مطامعهم الخاصة ورغبتهم الأنانية في الحكم والسيطرة على البلاد ومواردها وثرواتها.
وأما من جهة تجارب الأمم والشعوب:
فالتجارب القديمة والحديثة تثبت أن المقاومة السلمية للانقلابات والاستبداد هي الأنجح والأسرع والأقل كلفة بشرية، وهي التي تنتج تحولا ديمقراطيا حقيقيا، وليس ما جرى في دول أوربا الشرقية عنا ببعيد، بل هذا ما أثبتته ثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة.
هل تنجح السلمية:
إن الشعوب متى تمسكت بحقوقها واستمسكت بمبادئها وصبرت في مواجهة الانقلاب فإنها قادرة على تحقيق إرادتها، وهنا نذكر بالأسطورة الصينية (سيد القرود) التي يرويها جين شارب في كتابه (من الديكتاتورية إلى الديمقراطية) وهي أسطورة صينية قديمة من القرن الرابع عشر للمؤلف ليو جي، تحكي عن رجل عجوز كان يعيش في ولاية تشو الإقطاعية، وكان أهالي تشو يسمونه جو غونج أي سيد القرود. وقد استطاع هذا الرجل البقاء على قيد الحياة من خلال احتفاظه بقرود لخدمته، فقد كان يجمع القردة كل صباح ثم يأمر كبيرهم أن يقودهم لجمع الفاكهة من الأشجار وتقديم عُشرها إليه، وكان يعاقب كلَّ قرد لا يلتزم بذلك، يجلده دون رحمة، وكانت معاناة القرود عظيمة، ولكنها لم تجرؤ على الشكوى! حتى كان صعود قرد شاب من بين هذه القرود خاطبهم متسائلا: هل زرع هذا العجوز جميع أشجار الغابة؟ ألا نستطيع أن نأخذ الفاكهة منها دون استئذانه؟ فأجابوه: نعم نستطيع. فأجابهم: لماذا إذا نعتمد على الرجل العجوز ولماذا علينا أن نخدمه؟
يعقب شارب قائلا: فهمت القردة جميعا ما كان يرنو إليه القرد الصغير، حتى قبل أن ينهي جملته، وفي نفس الليلة وعند ذهاب الرجل الهرم إلى فراش النوم، وغط في سبات عميق، مزقت القردة قضبان أقفاصها، واستولت على فاكهة العجوز المخزنة، وأخذتها إلى الغابة ولم تعد إليه أبدا، وتركته حتى مات جوعا!
وكما يقول يو لي : «يحكم بعض الرجال شعوبهم باتباع الخدع، هؤلاء الحكام يشبهون سيد القردة، فهم لا يعون تشوش أذهانهم، ولا يدركون أنه في اللحظة التي يدرك فيها الناس أمرهم ينتهي مفعول خداعهم».
تختصر هذه الحكاية مفهوم السلطة ومصدرها ومكمن قوتها، فمكمن قوة السلطة هو طاعة الناس لها. في اللحظة التي يعي الناس أن هذا النظام لا يمثلهم ولا يريدونه أن يحكمهم، ويقررون عدم طاعته، فإنهم يجردونه من مكمن السلطة التي يتمتع بها. هذا هو الأساس الذي تستند إليه المقاومة السلمية.
من واجباتنا في الثورة السلمية:
  • أن نكون أكثر انفتاحاً على فئات المجتمع المختلفة، وأكثر وضوحاً في شرح برامجنا للشعب، ونشر الوعي بالثورة السلمية وعدم الانجرار للعنف، ونشر الأمل في تحقيق السلمية لأهداف الثورة، ومحاربة كل صور اليأس التي يحاول إعلام الانقلاب إشاعتها ونشر النماذج الناجحة، وابتكار صور إبداعية جديدة ومتنوعة للمقاومة السلمية، وعدم الاستهتار بأي فعالية أو نشاط مهما بدا صغيرا، والتأكيد على النجاح الذي يتراكم بالعمل المستمر والفعاليات المتواصلة.
  • أن نكشف للشعب حقيقة ما أوصلنا ويريد أن يأخذنا إليه الانقلاب من دمار اقتصادي وانهيار لمقومات الدولة وتهديد لمستقبل البلاد، حيث لا يملك الانقلابيون أية رؤية لإدارة صحيحة للبلاد سوى تشديد القبضة الأمنية وإذلال الشعب وإخضاعه بالقوة المسلحة.
  • أن نسعى لاستيعاب كافة الطاقات والكفاءات ونمارس الشراكة الحقيقية في العمل الوطني مع الجميع، ونوسع دائرة التحالف، لاستعادة وحماية الثورة والمسار الديمقراطي.
  • أن نستمر في إيجاد كل الآليات المناسبة للتواصل الفعال مع كل مؤسسات الدولة.
وفي الختام فلن يضيع حق وراءه مطالب، وستتحقق إرادة الشعب في الحرية بإذن الله، ويومئذ يفرح المصريون بنصر الله، (وسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) .
وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
والله أكبر وتحيا مصر حرة مستقرة
القاهرة في : 7 من ذي القعدة 1434هـ، الموافق 13 من سبتمبر 2013م