كتب المحلل السياسي أحمد فهمي عبر فيسبوك يقول :
لماذا يتحمس حزب النور وقادة الدعوة السلفية بهذه الدرجة للترويج بـــ"نعم" للدستور؟..
أرجو أن تصبر قليلا على القراءة، فالأمر كارثي بالفعل..
يخطئ من يعتقد أن حماسة حزب النور للدستور، سببها هو ضغط العسكر فقط، أو مجرد الخلاص من الإخوان..
هناك سبب أكثر خطورة وأعظم أهمية، هل تعلم ما هو؟..
القصة تبدأ منذ تقدم حزب النور بمبادرته الشهيرة والتي استخدمها كوسيلة للقفز من مركب الإسلاميين إلى بحر العلمانية..
كان الهدف هو إعادة تعريف كل من "الإخوان المسلمين"، التيارات السلفية الأخرى"، "القوى العلمانية"..
اعتبر حزب النور أن الإخوان يقودون الوطن نحو الهلاك، ثم بدأ يصنف السلفيين المتحالفين مع الإخوان، ما بين تكفيري، وجهادي، وقطبي ...إلخ ..
ثم ألقى بالمعايير الإسلامية جانبا، وبدأ يستخدم معايير "المواطنة" و "الوطن" لإيجاد أرضية مشتركة مع القوى العلمانية..
لماذا يفعل كل ذلك؟..
فلنسترجع كلمات وتصريحات سعد الدين إبراهيم عن سعي حزب النور للتواصل مع الأمريكان، ولنستعد كذلك تلك الجولة البالغة الأهمية التي قام بها 3 قيادات من حزب النور في بعض الدول الأوروبية قبل الانقلاب بأشهر قليلة، ولنستمع إلى كلمات القيادي في الحزب أحمد خليل، وهو يتحدث لعمرو أديب عن القشرة الإسلامية والليبرالية التي تغلف الوطني المصري، والتي لو نزعت فلن يكون هناك فرق بين مصري وآخر..
ثم لنسأل أنفسنا سؤالا: ما هو سبب الرفض الغربي التقليدي للتيارات السلفية؟..
السبب الرئيس هو تفسيرهم للإسلام بصورة نصية تقيدا بفهم الأجيال الأولى من المسلمين، وهذا التفسير يولد تصادمات لا حصر لها، على الأقل من الناحية النظرية، حتى لو كان التيار السلفي مهادنا خانعا..
المشكلة إذن في التفسير، وليس التطبيق بالضرورة..
إذن كيف يخرج حزب النور من هذا المأزق التراثي دون أن يغضب الغرب، ودون أن يصدم أتباعه؟..
الحل العبقري هو أن يتوافق حزب النور مع القوى العلمانية، مع الكنيسة، مع الأزهر على دستور، على أن يقوم كل طرف بتفسير هذا الدستور لأنصاره بالطريقة التي تحلو له..
إذن مهمة شيوخ النور هي أن يأخذوا هذا المنتج "التوافقي العلماني الكنسي" ثم يقنعوا أتباعهم بأن هذا المنتج يتوافق مع الشريعة ولا يوجد به ما يخالفها، الأمر إذن يتعلق بــ ـ"تصور الشيء" و ليس "حقيقة الشيء في ذاته"..
وبالتالي يصبح هذا النص، وتلك الوثيقة بمثابة "إعادة تعريف للإسلام"، أو "إعادة تعريف للشريعة"، وهي ليست مقدَمة للداخل بالدرجة الأولى، بل هي موضوعة على المائدة الغربية لإثبات أن حزب النور لا يمثل مشكلة، وأن حضوره السياسي لن يتضمن تفسيرات – وتطبيقات بالتبعية- للإسلام تزعج الغرب في المستقبل ..
وهذا ما جعل السفيرة مشيرة خطاب، تقول في إفادة لمركز ودرو ويلسون الأمريكي حول الدستور :" "ويحسب أيضاً له -عمرو موسي- حقيقة أن هذا الدستور الذي كتبه أغلبية ليبرالية مدعوم بالكامل من السلفيين، وأن السلفييــن يقدمون الآن ورش عمل متنقلة تقنع وتعلم الشعب أنه حقاً دستـــــور جيــد"..
لذلك يمكننا أن نلاحظ أمرين في سلوك حزب النور، الأول: هو حماسته في الترويج للدستور بنعم..
الثاني، هو إلحاح شيوخه على أن هذا الدستور لا يخالف الشريعة، وأنه يجب العض عليه بالنواجذ..
ولعل بعضنا تابع خبر الزيارة السرية التي قام بها وفد من الكونجرس لبعض قادة الدعوة السلفية، وفي مقدمتهم عبد المنعم الشحات في الإسكندرية، فتلك الزيارة مؤشر على وجود التواصل واستمراريته..
ياسر برهامي إذن لا يعبث بالمشهد السياسي فقط، بل إنه أيضا يعبث بالثوابت الدينية، ويجعل الدين مطية للسياسة،
إنه يعيد تفسير الإسلام بما يجعل قادة الكنيسة ورموز العلمانيين وقادة إسرائيل ورموز غربيين، يرحبون بالدستور الجديد، الذي هو بالنسبة لهم "وثيقة تاريخية لإعادة تفسير الإسلام"..
إن برهامي في كلمتين: يبيع الدين، ليشتري السياسة..