رصدت منظمة هيومن رايتس مونيتور تقريرا شاملا عن فترة الإعداد لمشروع الدستور، وما قبلها، ويومي الاستفتاء.
وحدد التقرير المواد المعيبة في مشروع الدستور، والأجواء التي جرت فيها الانتخابات وانتهاكات حقوق الانسان على مدار اليومين المتتالين من الاستفتاء، كما قدم أيضا الانتهاكات القانونية في القانون المصري والدولي فيما يخص الانتخابات.
وجاء في التقرير أن الحكومة الإنقلاب الحالية حددت موعدا للاستفتاء على مشروع الدستور في يومي 14 و 15 يناير 2014 في ظل ظروف أمنية مشددة.
وذكر أن مشروع الدستور قد تم كتابته من لجنة الخمسين، والتي اختيرت وعينت دون انتخاب عقب الانقلاب العسكري الذي انقلب به الجنرال عبد الفتاح السيسي على رئيسه المنتخب محمد مرسي، وقام بعزله وسجنه في مكان غير معلوم، ويعد الانقلاب إجراء غير قانوني وبالتالي ما يترتب عليه من إجراءات أو انتخابات هي أيضا غير قانونية وباطلة.
وفي 8 يوليو 2013 قدم الرئيس المؤقت عدلي منصور المعين من قبل قائد الانقلاب العسكري إعلانا دستوريا، به الكثير من العوار, ثم عين لجنة من خمسين شخصا ممن ينقصهم الخبرة القانونية والثقافية، ومن لا يمثلون الشعب بطريقة متنوعة وديمقراطية لا تمثل أطياف الشعب كافة، وتفتقر إلى وجود أي فقيه دستوري بخلاف لجنة دستور 2012.
وقد خالفت اللجنة الإعلان الدستوري الذي تستمد منه شرعيتها؛ حيث تجاوزت المدّة القانونية التي حدّدها الإعلان الدستوري، والتي انتهت في 7 نوفمبر الماضي، كما أنها تحدث عن صياغة دستور جديد، ولا يستند على الإعلان الدستوري الصادر من المستشار عدلي منصور أو تعديل دستور 2012.
جدير بالذكر أن اللجنة الدولية للحقوقيين قد أصدرت بيانا بالأمس ينص على أن الدستور الذي سيتم الاستفتاء عليه معيب للغاية، ولابد من تعديله إذا كان المراد أن يعمل به كأساس للقانون في دولة ديمقراطية.
كما أن مشروع الدستور الجديد لا يتماشى والمواثيق الدولية لحقوق الانسان، ويتضمن موادا تنتهك حقوق الإنسان بشكل صريح، بالرغم من استحداث مادة تنص على التزام الدولة بالحقوق والحريات المنصوص عليها في المواثيق والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان.
و من أكبر عيوب مشروع الدستور هو فتح الباب والسماح بمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية بعد أن كانت قد وضعت في إطار محدد في دستور 2012.
وكذلك أنه لا حق للمصريين أو لرئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء في اختيار وزير الدفاع وهو منصب حساس جدا، ولم تنص مسودة الدستور بشكل واضح على كيفية عزل وزير الدفاع أو من يملك سلطة عزله.
كما أعطت وزير الدفاع المزيد من الصلاحيات منها: أنه لا يحق لرئيس الجمهورية حل البرلمان إلا بموافقة وزير الدفاع، وكذلك الحال فيما يخص الدعوة إلى استفتاءات شعبية.
كما أعطى مشروع الدستور مزيدا من الصلاحيات للجيش المصري الذي تمتع بمزايا خاصة خلال العقود الماضية, ولم ينص على محاكمة الجيش على الجرائم المرتكبة أو أن يضعه تحت رقابة الشعب.
جاء قانون التظاهر مانعا وقاتلا لفكرة التظاهر، وحرية الرأي والتعبير المكفولة في جميع المعاهدات والمواثيق الدولية، حيث أعطى السلطات منع التظاهرات التي قد يعتبرها "تهدد الأمن".
انتهاكات في مواد الدستور
ومن ضمن المواد المعيبة إلغاء نسبة العمال والفلاحين في المجالس النيابية وإلغاء مجلس الشورى ليكون مجلس النواب هو سلطة التشريع وإقرار السياسة العامة للدولة ويمارس سلطته الرقابية على أعمال السلطة التنفيذية.
وتضمنت المسودة أيضا عدم تبني نظام انتخابي، وإحالته للمشرع (رئيس الجمهورية) ولم توضح أي انتخابات سوف تجرى أولا (الرئاسية أم البرلمانية) مما يعطي مساحة لتغيير خارطة الطريق التي وضعها الجيش والتي نصت على ضرورة إجراء انتخابات برلمانية أولا تليها الانتخابات الرئاسية.
كما تم حذف المادة (219) من دستور 2012 التي تنص على أن: "مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة".
إضافة إلى إصدار الرئيس المعين عدلي منصور قرارا في 6 يناير 2014 ينص على أنه في حالات الاستفتاء يجوز للناخب الذي يتواجد في محافظة غير المحافظة التي يتبعها في الرقم القومي أن يبدي رأيه في الاستفتاء في المحافظة التي يتواجد بها، وهو ما يعد وسيلة جديدة للتزوير، فبدلا من الورقة الدوارة يصبح هناك الفرد الدوار الذي بإمكانه الإدلاء بصوته في الاستفتاء في أكثر من محافظة في اليوم الواحد، علما بأن مدة الاستفتاء يومين متتاليين.
وأشار التقرير إلى إعلانات الاستفتاء بـ "نعم" ، فقد نشرت إعلانات على جميع البنايات والطرق في مصر بالإضافة لوضع الإعلانات المستمرة بالتلفاز وهو أمر غير قانوني و لا يدل على الحيادية او الديمقراطية او إعطاء الأفراد حق الاختيار والإرادة.
وسبقت فترة الاستفتاء أجواء من القمع والتخويف والترهيب كما قامت سلطة الانقلاب، باختيار ما على الناخب أن يدل به، فقد نشرت قوات الأمن الذعر في قلوب المواطنين فأعلنت عن نشر 160 الفا من الجنود والمدرعات في زي خاص أشبه بالنينجا لتامين العملية الانتخابية.
وصاحب ذلك - أيضا - تهديدا من محمد إبراهيم وزير داخلية الانقلاب بالقول أنه في حال محاولة أي شخص تعطيل عملية الاستفتاء أو منع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم، سيتم التعامل معه بعنف غير مسبوق.
جدير بالذكر أن جماعة الإخوان المسلمين قد أصدرت بيانا تدعو فيه أعضاءها إلى البعد عن أي أماكن تابعة للاقتراع تجنبا للعنف.
اليوم الأول للاستفتاء
فقد ذكر التقرير:
- رصدت المنظمة في اليوم الأول التأثير على إرادة الناخبين وذلك باستخدام سيارات تجوب الشوارع للدعاية بنعم في جميع المحافظات بنشر ملصوقات بالتصويت بنعم على كل الأماكن وحمل الافتات مع إذاعة أغنية "تسلم الأيادي" الخاصة بالجيش في الراديو والتليفزيون على مدار اليوم، والذي يدعو الى التصويت بنعم للاستفتاء ولا للإرهاب، ولم يتم ملاحظة وجود ملصقات تدعو للاستفتاء بلا، وجرى اعتقال كل من حاول الدعوة إلى الاستفتاء بلا في ذلك اليوم، كما تمت أيضا حالات نقل جماعي للناخبين في أتوبيسات مكتوب عليها "عشان بلدنا نقول نعم للدستور".
- وقد تم نشر قوات الجيش في جميع الطرق ووضع سواتر رملية أمام اللجان الانتخابية في المدراس فيما يشبه منظر الحرب، وقام أيضا الفريق الأول عبد الفتاح السيسي بزيارة أماكن الانتخاب والقول للجنود بأن "يؤدوا عملهم جيدا لضمان سير الاستفتاء في جو آمن".
- قبل فتح اللجان حدث تفجير في محكمة في حي إمبابة بالقاهرة ولم يعلن عن المسئول عنها حتى الآن ولم تحدث أي إصابات.
- فتحت اللجان الانتخابية مبكرا في التاسعة من صباح 14 يناير 2014 وأغلقت في الساعة التاسعة مساء وكان تقريبا جميع المنتخبين ممن ذهبوا قد صوتوا بنعم للدستور وخرجوا يحتفلون بالأدلاء بأصواتهمK وخلت اللجان من المنتخبين بعد الساعة الرابعة مساءا وقفا للباحثين في المنظمة.
وجابت مظاهرات مناهضة للاستفتاء تدعوا الى المقاطعة في جميع أنحاء الجمهورية بلافتات تصف الاستفتاء الدستوري بأنه "دستور الدم" الذي جاء على جثث أكثر من 3000 مصري، وتسببت تلك المظاهرات في اشتباكات انتهت بمقتل 11 مصريا على أيدي قوات الجيش والشرطة وإصابة نحو 40 آخرين بحسب وزارة الصحة، كما تم اعتقال 294 من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين بحسب تصريحات وزارة الداخلية.
جدير بالذكر أن السكرتير العام للأمم المتحدة بان كي مون قد دعا المصريين إلى التعبير عن اختلافاتهم، واحترام حرية الرأي في التعبير، والالتزام باللاعنف، وذلك في بيان صحفي صدر بالأمس.
اليوم الثاني للاستفتاء
وشهد اليوم الثاني والأخير للاستفتاء على مشروع الدستور إقبالا أقل من اليوم الأول بشكل ملحوظ، كان أغلب الناخبين من المؤيدين لمشروع الدستور، وفتحت اللجان أبوابها للاقتراع في وقت متأخر نسبيا عن اليوم الأول؛ فقد فتحت بعض اللجان أبوابها ما بين الساعة 9:15 إلى الساعة 10:30 في ظل تواجد أمني مكثف مع استمرار الدعاية للاستفتاء بنعم في جمع المحطات التلفزيونية التابعة للدولة، وكذلك محطات الراديو والنقل الجماعي للناخبين للتصويت بنعم.
وخلال اليوم الثاني أعلنت قوات الأمن في محافظة أسوان وشمال سيناء عثورها على سيارات مفخخة تم التعامل معها وإبطال مفعولها من قبل خبراء التفجير، ولم يتم التعرف على المسئولين.
واستمرت التظاهرات المقاطعة للدستور في جميع أنحاء الجمهورية، والتي أدت إلى اشتباكات بين قوات الشرطة والجيش والمتظاهرين، ونتج عنها اعتقال 7 من المتظاهرين في ميدان التحرير.
الانتهاكات
وعن الانتهاكات التي تمت في داخل اللجان الانتخابية، فقد تم استخدام الأطفال في التصويت وكذلك القضاة بمن فيهم رئيس المحكمة الدستورية والرئيس المؤقت عدلي منصور، والذي دعا الناخبين إلى التصويت بنعم لمواجهة الإرهاب الأسود، وهو ما يعد أمرا غير قانوني، وكذلك السماح للفرد الدوار بالانتخاب في أكثر من لجنة انتخابية في محافظات مختلفة.
بالإضافة إلى واقعة التصويت الجماعي التي تم رصدها على مدار اليومين، بالإضافة الى رصد قاضي تم تصويره داخل أماكن الاقتراع يحمل بندقية.
واستخدمت قوات الجيش والشرطة العنف المفرط ضد المتظاهرين الرافضين للانتخاب، ومن يدعون إلى المقاطعة أو الاستفتاء بلا باستخدام الرصاص الحي والخرطوش في مواجهة المتظاهرين، ومصادرة الحق في التظاهر والحق في حرية التجمع وحرية الرأي والتعبير، بالإضافة إلى مصادرة الحق الرئيسي والأول للإنسان وهو الحق في الحياة.
في اليوم الأول من الاستفتاء قتل 11 شخصا وفق تصريحات وزارة الصحة، وذلك بالقتل مباشرة في الصدر والرأس وإصابة 40 آخرين من بينهم قتل الطالب بكلية طب الاسنان بأسيوط عبد الرحمن علي الذي قتل بعد اعتقاله وضربه حتى الموت على أيدي قوات الأمن، وطفل ذا 14 عاما في مدينة سوهاج، وقتل شخص في اليوم الثاني للاستفتاء متأثرا بجراحه من اليوم الأول، ذلك في مخالفة للمادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان: " لكل فرد حق في الحياة والحرية وفى الأمان على شخصه."
وكذلك المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: "الحق في الحياة ملازم لكل إنسان، وعلى القانون أن يحمي هذا الحق، ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفيا" بالإضافة لانتهاك اتفاقية مناهضة التعذيب المصادق عليها من قبل الحكومة المصرية.
وقد شهد اليوم الأول للانتخابات اعتقالات واسعة في مختلف أرجاء البلد وصل عددها إلى 294 حسب مسؤول في وزارة الداخلية رفض ذكر اسمه، وتضمن العدد على الأقل 7 من حزب مصر القوية أثناء محاولتهم لتعليق ملصقات تدعوا إلى مقاطعة الاستفتاء، ومن بين المعتقلين أيضا تم اعتقال 3 بنات في مدينة الإسكندرية وتم إطلاق سراحهم في آخر اليوم.
واستمرت الاعتقالات في اليوم الثاني وتضمنت اعتقال الأطفال فتم اعتقال طفل وعمره 16 عاما في مدينة الدقهلية، وكذلك الطالب مصعب كمال أثناء مروره بجوار لجنة انتخابية في طريقه للمنزل بالفيوم.
ومن بين الانتهاكات الأخرى كان الاعتداء بالضرب على الناخبين ممن جاءوا للتصويب بلا من قبل بقية الناخبين وكذلك قوات الجيش، وسحل سيدة أرادت التصويت بلا من قبل مجموعة سيدات مؤيدات للدستور في مدينة المنيا، وصفع أخرى على وجهها من قبل رجال مؤيدون للدستور أمام اللجنة الانتخابية.
وقد رصدت السي أن أن ضرب رجل أمام اللجنة الانتخابية على وجهه مرتين وسحله على الأرض، وخنقه من رقبته ثم الجلوس عليه من قبل جنود الجيش في زيهم الرسمي واتهامه بانتمائه لجماعة الإخوان المسلمين.